اخبار
مكافحة التغيرات المناخية «أولوية الجميع».. سياسات وحلول عربية
إن التصدي لتغير المناخ يتطلب بذل جهود جماعية ومتضافرة من جميع قطاعات المجتمع الدولي.
ومن الأهمية بمكان أن يلعب الجميع دورًا نشطًا في العمل المناخي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة مع تزايد تهديد تغير المناخ للبيئة. إذ تتخذ العديد من البلدان مبادرات لتشجيع الأفراد على المشاركة في العمل المناخي. ومن ثمَّ، دعونا نتعرف على السياسات والإجراءات التي استطاعت بها بعض الدول العربية التعامل مع تغير المناخ، وذلك على النحو التالي:
1- مصر
تتخذ مصر إجراءات لحماية منطقة دلتا النيل من تغير المناخ؛ إذ تُعد دلتا النيل موطنًا لـ 18 مليون مواطن –ما يقرب من ربع سكان مصر– بالإضافة إلى عدد لا يُحصى من الشركات والصناعات والمزارع وغيرها.
ووفقًا لتقرير صدر عام 2007 عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، تُعد دلتا النيل واحدة من أكثر المناطق عُرضة للخطر في العالم عندما يتعلق الأمر بارتفاع مستوى سطح البحر والطقس المتطرف والعوامل الأخرى التي تتفاقم بسبب تغير المناخ.
ويُظهر التقرير أن ارتفاع منسوب المياه في البحر الأبيض المتوسط يمكن أن يُغرق دلتا النيل بأكملها، التي تُمثل أكثر من نصف النشاط الاقتصادي لمصر من خلال الزراعة والصناعة وصيد الأسماك. وتساهم دلتا النيل وحدها بحوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر. وقد درست مصر النتائج وعملت مع الشركاء الدوليين على إيجاد حلول لحماية المناطق الضعيفة وسكانها.
وفي عام 2020، دخلت مصر، من خلال وزارة الموارد المائية والري، في شراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق المناخ الأخضر –وهو أكبر صندوق مخصص للمناخ في العالم– لإطلاق مشروع مناخي جديد يستمر حتى عام 2025.
وسيحمي المشروع 17 مليون شخص من الفيضانات الساحلية عن طريق تركيب 69 كيلومترًا من السدود منخفضة التكلفة في دلتا النيل والساحل الشمالي، كما سيتم تثبيت السدود بمزيج من الحجارة وأنواع النباتات المحلية لتعزيز نمو الكثبان الرملية من خلال التقاط الرمال المنفوخة وتثبيتها. وتعمل تدابير الحماية الساحلية هذه على إعادة استخدام المواد المجروفة الموجودة والتي كان من الممكن أن ينتهي بها الأمر في البيئة البحرية.
2- الأردن
الأردن يُطلق العنان لقوة المرأة في العمل المناخي؛ إذ تبين أن النساء والفتيات أكثر عرضة للخطر والتأثر بالكوارث المناخية. ومع ذلك، يتم تجاهلهم إلى حد كبير عند تطوير الحلول، وغالبًا ما لا يتم استغلال قدراتهم بالقدر الكافي؛ إذ إنهم يلعبون دورًا مهمًا في قطاع الطاقة المستدامة ويشكلون جزءًا مهمًا من الحل؛ حيث يقودون الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ من خلال التكيف والتخفيف والإجراءات القائمة على الأدلة.
يواجه الأردن مخاطر شديدة لتغير المناخ، مما يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه في البلاد والتأثير على سلامة وصحة وسبل عيش الأسر الريفية والحضرية.
من بلدة دير علا في الشرق الأدنى في محافظة البلقاء، بدأت إحدى الفتيات رحلتها في قيادة العمل المناخي في قطاع الطاقة في وزارة الطاقة والثروة المعدنية. وهي ترأس قسمًا رئيسًا في صندوق الأردن للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والذي يعمل بمثابة نقطة اتصال بين المجتمع والصندوق. ويقود الصندوق الجهود الوطنية لتحسين واستغلال استهلاك الطاقة من خلال توفير الموارد اللازمة لتعزيز وتنفيذ الحلول المستدامة لتحسين كفاءة الطاقة وزيادة استخدام الطاقة المتجددة بالتنسيق مع المؤسسات المحلية والدولية وأصحاب المصلحة.
3- المغرب
نفذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المغرب عدة مبادرات لتقليل الأثر البيئي من انبعاثات الغازات الدفيئة من خلال القضاء على استخدام الزجاجات البلاستيكية، وإدخال موزعات المياه، وإعادة تدوير الورق والكرتون المستخدم، وتركيب الإضاءة الخارجية في ساحة انتظار السيارات التي تعمل بالكامل بالطاقة الشمسية.
هذا، وقد قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المغرب بتركيب 60400 واط من الألواح الشمسية أحادية البلورية على سطح المباني، مما أدى إلى توفير نحو 33% من احتياجات الكهرباء.
ومن هذا المنطلق، يهدف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المغرب إلى زيادة قدرة إنتاج الكهرباء بنسبة 50% من خلال اقتناء وتركيب ألواح شمسية إضافية.
4- الصومال
تعمل الصومال على بناء مسار قادر على الصمود في وجه تغير المناخ؛ حيث تؤدي تبعات تغير المناخ إلى التأثير العميق في جميع أنحاء البلاد، وتزايد حالات الجفاف والفيضانات المفاجئة، التي بدورها تساهم في تآكل التربة وفشل المحاصيل ونفوق الماشية -في بلد يعتمد فيه اثنان من كل ثلاثة أشخاص على زراعة الكفاف- فضلًا عن تغيير الفصول، مما يؤدي إلى تفاقم الكوارث الطبيعية والمزيد من الظواهر الجوية المتطرفة.
بتمويل من صندوق البلدان الأقل نموًا التابع لمرفق البيئة العالمية ودعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يتبنى المواطنون في الصومال ممارسات جديدة ذكية مناخيًّا للتكيف مع هذه التحديات الملحة وإيجاد مسار مرن للمضي قدمًا؛ إذ قامت وزارة البيئة والزراعة وتغير المناخ في “بونتلاند” الصومالية ببناء 10 سدود جديدة تزود رعاة الإبل ومواشيهم والمجتمع ككل بالمياه النظيفة.
تحتوي السدود الترابية الجديدة على أحواض مياه وخزانات مياه مرتفعة تعمل بأنظمة الطاقة الشمسية، وتسمح هذه السدود للمجتمعات المحلية بالحصول على المياه النظيفة على مدار العام وإدارة نقص المياه خلال مواسم وفترات الجفاف.
5- سوريا
تعمل سوريا على تمكين المرأة في قطاع الطاقة؛ إذ تبين أنه على مدار عقد من الأزمة، أن البلاد مازالت تعاني من إتلاف وتدمير البنية التحتية والخدمات المدنية الحيوية، بما في ذلك الكهرباء وإمدادات المياه والمدارس والمرافق الصحية؛ إذ أصبح انقطاع التيار الكهربائي الآن جزءًا من الحياة اليومية في سوريا؛ حيث إن 30% من السكان يحصلون على الكهرباء لمدة ساعتين فقط في اليوم. وفي بعض الأحيان أقل من ذلك.
وبناءً عليه، فقد نفذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا مشروع ‘المرأة والطاقة المتجددة’ بدعم من حكومة اليابان وصندوق الأمم المتحدة للاستجابة والإنعاش، ومن ثمَّ، تلقت النساء تدريبًا متخصصًا على الألواح الشمسية وأنظمة وتقنيات ضخ الطاقة الشمسية والحلول المبتكرة لخلق فرص كسب العيش الخضراء لتشجيع النساء على المشاركة بشكل أكبر في الطاقة المتجددة.
ومن خلال العمل بشكل وثيق مع شبكة نسائية محلية، حدد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي النساء الأكثر ضعفاً وقدرة من المجتمعات المضيفة ومجتمعات النازحين للمشاركة في مشروع المرأة والطاقة المتجددة. ويهدف المشروع إلى تحسين حياة النساء ومجتمعاتهن وخلق بيئة آمنة للنساء.
حتى الآن، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا بتركيب 72 مجمعًا للطاقة الشمسية في مكتبه القطري في دمشق، مما يولد 51 ألف كيلووات/ساعة سنويًا وتسخين 600 لتر من المياه يوميًا. ومن خلال التحول من مصادر الطاقة غير المتجددة إلى مصادر الطاقة المتجددة، يمكن لسوريا توفير 6375 لترًا من الوقود وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون بمقدار 16830 كيلوغرامًا سنويًا.
6- اليمن
يزيد تغير المناخ بشكل متزايد من الصعوبات التي يواجهها اليمنيون، خاصة في المناطق الريفية التي تعتمد على الزراعة. ولا تعاني البلاد من موجات جفاف أكثر شدة وأطول أمدا فحسب، بل تعاني أيضا من الفيضانات التي تجرف البنية التحتية الزراعية والتربة الخصبة. ويؤدي هذا إلى مزيد من انعدام الأمن الغذائي؛ حيث تصبح الأحداث المناخية أكثر حدة ولا يمكن التنبؤ بها.
هذا، ويُعد الشباب موردًا مهمًا لمساعدة اليمن على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، إذ أنهم يشكلون جزءًا كبيرًا من المجتمع. وعليه، فقد طورت العديد من الشابات مشروعات جديدة لتعزيز العمل المناخي في اليمن، لا سيما مشروع إنتاج الغاز الحيوي– طاقة بديلة نظيفة– والأسمدة العضوية من إعادة تدوير مخلفات الطعام، فقد تم إنتاج جهازًا إلكترونيًا مبتكرًا لقياس درجة الحرارة للمساعدة في زيادة إنتاج الغاز الحيوي والأسمدة العضوية وكثافة ضغط الغاز والتي يمكن مراقبتها من خلال تطبيق الهاتف المحمول.
وقد دعم البرنامج التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن القيادات الشبابية لتنفيذ تلك المشروعات من خلال بناء قدراتهم وتأهيلهم على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
هذا، وقد تم إطلاق أيضًا مبادرة تستهدف الأطفال والطلاب للمساعدة في زيادة وعيهم بالتغير المناخي من خلال تزويدهم بأساليب ترفيهية وتعليمية لمساعدتهم على القيام بدورهم. وهي تشجع طلاب المدارس على أن يكونوا جزءًا من العمل المناخي من خلال إنشاء أنشطة طلابية مثل زراعة الأشجار وإنشاء ألعاب ورسوم متحركة قائمة على الأنشطة لتعريفهم بأهمية التشجير ودوره في الحد من مخاطر تغير المناخ.
مسؤول أممي لـ”العين الإخبارية”: التغيرات المناخية تهدد قدرة الدول العربية على تحقيق الأمن الغذائي العين الإخبارية – خاص
تقييم للوضع الراهن
لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من العمل لمكافحة تغير المناخ؛ إذ يجب أن يدرك الأفراد التأثير السلبي لتغير المناخ على حياتهم وعلى الكوكب. لدينا كوكب واحد فقط، وعلينا حمايته للجيل القادم.
وينبغي للشباب والنساء أن يكونوا أكثر مشاركة وأن يقودوا المعركة ضد تغير المناخ لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة. ويتعين على المجتمع الدولي أن يفعل المزيد لدعم الحلول المبتكرة وتسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
وعليه فإن اتخاذ إجراءات مبكرة بشأن تغير المناخ أمر لا بد منه. لذا، يتعين على الحكومات في المنطقة العربية أن تعمل على تعزيز أهدافها للتكيف مع تغير المناخ والحد من مساهمتها في ظاهرة الانحباس الحراري العالمي. ومن ثمَّ، فقد تظهر الحاجة إلى استثمار ما يصل إلى 4% من إجمالي الناتج المحلي سنويًا لتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ بشكل كافٍ وتحقيق أهداف خفض الانبعاثات بحلول عام 2030، وفقًا لدراسات صندوق النقد الدولي الأخيرة حول التكيف والتخفيف.
وفي ظل ارتفاع تكاليف الاقتراض وسلطات الإنفاق الحكومية المحدودة بالفعل، يُعد جذب المزيد من التمويل الخاص أمرًا بالغ الأهمية لسد فجوات التمويل.
ومن الممكن أن تساعد تدابير مثل التعجيل بإصلاح دعم الوقود وفرض ضرائب على الكربون، وغير ذلك من التنظيمات المناخية، في تخفيف أعباء التمويل وإعطاء المستثمرين إشارات أكثر وضوحًا.
والخبر السار هو أن العديد من البلدان العربية في الشرق الأوسط وآسيا، أصبحت تتخذ بالفعل خطوات للتخفيف من الآثار المدمرة الناجمة عن تغير المناخ. على سبيل المثال، قامت المغرب والأردن وتونس بتحسين ممارسات إدارة المياه، مما ساعد على تعزيز قدرتها على الصمود وسط فترات الجفاف الطويلة.
وتستعد البلدان أيضًا لاحتواء بصمتها الكربونية، بدءًا من إصلاحات دعم الوقود الأحفوري في الأردن إلى مشروعات الطاقة الشمسية في دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر.
تسلط أبحاث صندوق النقد الدولي الضوء على سياسات المالية العامة التي يمكن أن تساعد بلدان المنطقة على تحقيق تعهداتها المناخية عن طريق خفض نصيب الفرد من انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تصل إلى 7% بحلول عام 2030 وتسريع وتيرة السياسات لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
أولويات السياسة
– هناك حاجة إلى إجراءات أكثر طموحًا بشأن المناخ في المنطقة العربية.
– هناك حاجة إلى توسيع وتعزيز سياسات التكيف والتخفيف المعمول بها حاليًا.
– يتعين على الدول أن تعطي الأولوية للاستراتيجيات الشاملة التي لا تعالج الأزمات المباشرة فحسب، بل تستعد أيضًا للعواقب الطويلة الأجل لتغير المناخ.
– يتعين على صناع السياسات أن يعطوا الأولوية للاستثمار في البنية الأساسية والزراعة القادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، وإدارة مخاطر الكوارث، والحماية الاجتماعية.