الجبال
الجبل
الجبل هو تضريس أرضي يرتفع عمّا حوله من الأرض في منطقة محددة. وتتميز بقمم صخرية حادة وسفوح شديدة الانحدار وبها أيضاً قمم مرتفعة العلو. الجبل بصورة عامة أكثر ارتفاعاً وحِدّةً من الهضبة. هناك اختلاف حول تحديد الارتفاع الكافي للجبل لاعتباره جبلاً فالموسوعة البريطانية تستعمل ارتفاع 610 متر عن سطح الأرض لإطلاق مصطلح الجبل على المرتفع.
يعد جبل إفرست أعلى جبل في العالم ارتفاعه (8848م)، بينما يعد أعلى جبل في النظام الشمسي هو جبل أوليمبوس مونس على كوكب المريخ ارتفاعه (21171 م).
تعريف الجبل
الارتفاع والحجم والكثافة والوعورة كمعايير لتسمية الجبل، ولكن جاء في قاموس أوكسفورد الإنجليزي أن “الجبل: هو عبارة عن ارتفاع طبيعي عن سطح الأرض يرتفع أكثر أو أقل من سطع البحر ليحقق مستوى ارتفاع نسبي عن الارتفاعات المجاورة له”.
في الولايات المتحدة الأمريكية استخدم التعريف القادم لتحديد مسميات الجبل عن غيره من المرتفعات:
- مسطح ارتفاعه 500 قدم يسمى سهل.
- نقطة ارتفاعها من 501-999 قدم يسمى تل.
- نقطة أعلى من 1000 قدم أو أكثر يسمى جبال.
تعريف آخر للمركز العالمي للرصد والحفظ كامبريدج، المملكة المتحدة: يعد الجبل جبلا إذا كان:
- ارتفاعه على قاعدة بما لا يقل عن 2500 م.
- ارتفاعه على قاعدة بين 1500-2500 م مع ميل أكبر من 2 درجة.
- ارتفاعه على قاعدة بين 1000-1500 م مع ميل أكبر من 5 درجات.
- إذا كان ارتفاعه أكثر من 300 م وكان نصف قطره 7 كلم.
وحسب هذا التعريف فإن الجبال تغطي 64 ٪ من قارة آسيا و 25 ٪ من قارة أوروبا و 22 ٪ من قارة أمريكا الجنوبية و 17 ٪ من قارة أستراليا، و 3 ٪ في قارة أفريقيا. وعلى ذلك فإن 24 ٪ من مساحة الأرض الإجمالية جبلية و 10 ٪ من الناس يعيشون في المناطق الجبلية، ومعظم الأنهار في العالم تتغذى من المصادر الجبلية، وأكثر من نصف البشرية يعتمدون على الجبال في الحصول على المياه.
توجد بعض الجبال منعزلة ولكن الأغلب أنها توجد في مجموعة أو صف إما في شكل حيد واحد مركب أو سلسلة من الحيود المترابطة ومجموعة الجبال هي عدد من الصفوف الجبلية المترابطة من حيث الشكل والأصل أما السلسلة فهي عدد من مجموعات الجبال التي تشغل منطقة عامة بعينها. والمعروف أن الجبل الظاهر على سطح الأرض هو عبارة عن ثلث المساحة الحقيقية للجبل، أما عن الثلثين الآخرين فهما تحت سطح الأرض يشابه كثيرًا أوتاد الخيمة عندما يغرس معظمها في الأرض ولا يتبقى منها سوى الجزء الممسك بالحبل، بعض الجبال بقايا لهضاب نحتتها عوامل الطبيعة وبعضها الآخر أصله مخروطات بركانية أو تدخلات من صخور نارية كونت قبابا صخرية وتتكون جبال الكتل الصدمية نتيجة رفع كتل ضخمة من سطح الأرض بالنسبة للكتل المجاورة لها. و كل السلاسل الجبلية إما أن تكون جبال طي أو تراكيب بنائية معقدة دخلت في تكوينها عوامل الطي والتصدع والنشاط الناري ومعظمها يتعرض للرفع الرأسي بعد حدوث الطي
تكون الجبال
- مقال تفصيلي: تكوين الجبال
هنالك أربع مراحل لتكون الجبل :
- غمر البحر وترسيب مواد في قعر البحر.
- تكون طبقات متنوعة من مواد الترسيب.
- حدوث تجعد نتيجة ضغط باطني إلى أعلى.
- تراجع مياه البحر وظهور اليابسة.
أنواع الجبال
تنتظم جبال العالم في ثلاثة أنواع هي: الجبال المنفردة، والسلاسل الجبلية، والأحزمة الجبلية.
تكثر الجبال المنفردة في المناطق البركانية، وفي البقاع التي تعرضت للحت، أما السلاسل الجبلية فهي أشرطة طويلة تمتد عشرات ومئات الكيلومترات، في حين تتألف الأحزمة الجبلية من سلاسل متصلة وتمتد آلاف الكيلومترات، أكبرها الحزام الألبي ـ الهيمالائي، والحزام الأنديزي، وحزام سلاسل آسيا الوسطى، وحزام هوامش المحيط الهادئ.
ويغلب على الجبال السلاسل والأحزمة توزعها على هوامش القارات وسواحلها، ففي الوطن العربي تقع أهم الجبال على سواحل البحر المتوسط، مثل جبال بلاد الشام والأطلس في المغرب العربي وعلى جانبي البحر الأحمر وخليج عدن، ثم جبال عُمان، وفي أسترالية تمتد جبال الألب الأسترالية على سواحلها الشرقية، وفي أمريكا الجنوبية على سواحلها الغربية، وفي أمريكا الشمالية على سواحلها الغربية والشرقية، وفي آسيا الصغرى على سواحلها الجنوبية والشمالية. ولا تبعد جبال الألب والبيرينا في أوروبا عن البحار كثيراً، بل تساير السواحل في إيطاليا والبلقان. وهناك سلاسل جبلية مهمة داخل القارات ولا سيما في أوراسيا مثل جبال الكاربات والأورال والقفقاس وسلاسل آسيا الوسطى وحول هضبة التبت وامتدادها نحو جنوب شرقي آسيا، وفي أفريقيا توجد كتل جبلية في قلب الصحراء مثل جبال الأحجار وتيبستي.
أشكال الجبال
1 الجبل المتطوي : Folded Mountain
شكل ينشأ عن التثني في طبقات الأرض، مثال ذلك أن قشرة الأرض المنبسطة يقع عليها الضغط من جانبيها، فتنحصر الطبقة بينهما وينتج عن ذلك أن الطبقة تضيق بالوضع الذي هي فيه، تريد أن تنكمش فلا تستطيع، وإذن فهي تنثني وتظهر فيها طية أو طيات تماماً كالذي يحدث في السجادة، تدفعها أفقياً من طرفيها فتظهر فيها الثنية من بعد الثنية، والطية الحادثة ترتفع عن مستوى السجادة وهكذا هي في الصخر، ترتفع عن سطح الأرض فتظهر كالقبة، ويسمى الجبل الناشئ بالجبل المتطوي أي الذي لو كشفت عن باطنه لوجدته يتألف من طية في الصخر من بعد طية. ومن أمثلة ذلك جبال الأطلس في المغرب، وجبال الألب في سويسرا وجبال اليورال في روسيا.
2 الجبل المتصدع: rift mountain
وهو جبل يعطيك وجها منه كالصفحة انبساطا. وهو ينشأ عندما تعمل القوى الباطنية في صخر القشرة الأرضية بحيث لا تكتفي بثنيها، فيكون من جراء ذلك كسرها وانصداعها، ونصف منها يصعد وهو الجبل ونصف يهبط فلا تراه العين أو قد تراه ولكن منخفضاً.
3 الجبل البركاني: Volcano mountain
ويبدأ تكونه بخروج حمم من بطن الأرض ينثقب لها سطح الأرض، وتتراكم هذه الحمم ما ظل البركان في نشاطه وتبرد ويتألف منها الجبل، وقد اطلع الناس على جبل بركاني ظهر حديثاً في المكسيك وبالتحديد في عام 1943 بدأ بأن خرج من أرضه سحابة كثيفة من دخان، ومضى يوم فإذا بكومة من صخر ورماد تكونت حول الفم الذي خرج منه الدخان وكان ارتفاعها 30 م وظل البركان يقذف حممه وظل الركام يزيد، وبلغ ارتفاعه 150 م بعد أسبوعين، وبلغ 320 م في ثمانية أشهر وتوقف نشاط البركان في عام 1952 وكان ارتفاعه قد بلغ 450 م. والجبال البركانية لا يخفى شكلها على أحد، فشكلها كشكل المخروط أو القمع الهائل والكثير من جبال الأرض جبال بركانية عظيمة تكونت قبل ظهور الإنسان على ظهر الأرض بملايين السنين. ومن أشهر هذه الجبال جبل كليمانجارو، وهو نشأ في سهول أفريقيا عند خط الاستواء وارتفاعه يبلغ 6500 قدماً. ومن أشهرها أيضا جبل فوجي ياما وهو جبل اليابان المقدس ويبلغ ارتفاعه 4100 م.
4 الجبال المقببة: Domed mountains
وهي جبال كادت أن تكون جبالا بركانية، وذلك أنها بدأت بأن سرى الصخرالمنصهر في بطن الأرض يبحث لنفسه مخرجا من سطحها فلم يوفق، فجرى الصخر المنصهر في شقوق عديدة من الأرض، ولكنه لم يقو على اختراق القشرة كلها، فتكون نتيجة ذلك قبة، وهو الجبل فوق سطح الأرض.
نظريات تكوُّن المنظومات الجبلية
استحوذ تطور منظومات الجبال وتكونها على اهتمام العلماء، وكانت موضوعاً لكثير من الدراسات التي تضمنت نظريات عدة أهمها نظريتان: الأولى قديمة، وتفترض تطور الجبال في مقعرات جيولوجية geosynclines تتراكم فيها رواسب كثيرة، مع حدوث هبوط تدريجي في قاعها، يلي ذلك خضوعها لحركات جانبية ضاغطة، فهي إذن تفترض حدوث حركات شاقولية (رأسية) وأخرى جانبية، في القشرة الأرضية، الأولى ثقالية تسبب الهبوط subsidence والثانية تمددية ضاغطة، تسبب التشوه والنهوض، وكان أول من وصفها العالم دانا Dana عام 1813 في أثناء دراسته لجبال الابالاش. وكانت هذه النظرية تتفق مع الاتجاه الفكري الذي يفترض أن القارات والمحيطات هيئات قديمة وثابتة للقشرة الأرضية.
أما النظرية الثانية فهي حديثة وتحليلية شاملة، وضعت وفق معطيات الدراسات الحديثة ومفاهيم تكتونية الصفائح[ر] التي تشرح المراحل التاريخية لتطور القارات والمحيطات. فنشوء المنظومات الجبلية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحركة صفائح الغلاف الصخري، وهو يتم في نطاق هوامش التصادم، حيث تهبط هذه الهوامش تحت صفائح القارات لتنغرز في المعطف، وتتكون من هبوطها خنادق المحيطات التي تصبح مجالاً لتراكم الرواسب فوق أشرطة طولانية هابطة من قشرة الأرض تدعى بالأحزمة الحركية mobile belts.
افترض وجود هذه الأحزمة في أثناء الدراسات التي أُجريت على جبال الابالاش، وقد لوحظ فيها أن ثخانه رسوباتها الباليوزوية تتجاوز 12000 متر، كما لوحظ أن هذه الرسوبات تتناقص ثخانتها تدريجياً نحو الغرب باتجاه داخل القارة، وتنخفض فيها إلى حدود تبلغ العشر تقريباً. وتشير الدلائل المستحاثية إلى أن توضع معظمها كان في بيئات بحرية غير عميقة، إذ بلغت ثخانتها حداً يفوق كثيراً أعظم الأعماق البحرية، لذلك افترض حدوث الهبوط في هذه الأجزاء من القشرة الأرضية في أثناء التراكم الرسوبي، وكلما ازداد الهبوط حدث تراكم أكبر.
وثمة أماكن كثيرة من القشرة الأرضية تناسب التراكم الرسوبي في الوقت الحاضر، كما توجد أماكن أخرى كانت في الماضي مسرحاً للتراكم، بما في ذلك القارات، لكن ينحصر تطور الأحزمة الحركية بالقرب من حواف الرفوف القارية edges of continental shelves أو قرب أقواس الجزر island arcs (الشكلين 2 و3). وفي مثل هذه الأماكن تقوم القارات وأقواس الجزر بدور المصادر الرئيسية لإمداد الأحزمة الحركية بالرسوبات. وبما أن الأحزمة الحركية في الأنظمة الجبلية هي أشرطة طولانية من الصخور الرسوبية والبركانية المشوهة، فإن أماكنها يجب أن تقع في نطاقات تصادم صفائح الغلاف الصخري، أي بين القارات والمحيطات وبمحاذاة أقواس الجزر.
من أمثلة ذلك، يذكر أن عرض الرف القاري شرق أمريكا الشمالية يبلغ نحو 320 كيلو مترا، ً وهو مغطى برواسب تصل ثخانتها عند حافته الخارجية إلى 5000 متر تقريباً وتعود إلى حقبي الميزوزوي والكينوزوي، تتألف من صخور رملية وغضارية وغضارية صفحية وكلسية، أو ما يعادلها من رسوبات غير متصلبة، وهي تتشابه بمجملها مع رسوبات الجزء الداخلي من حزام الابالاش، باستثناء خلوها من أسافين الحجر الرملي. أما الرسوبات العميقة المتراكمة فوق قشرة المحيط، فهي غضارية ناعمة مشوبة بمواد خشنة انزلقت من الرف القاري، وتفوق ثخانتها في بعض المواقع ثخانة الغطاء الرسوبي فوق الرف القاري.
هبوط الأحزمة الحركية: يُقلل الهبوط التدريجي للأحزمة الحركية من الثخانة الكبيرة لأجزاء من التراكم الرسوبي الثخين، ويعزى ذلك إلى أن صخور القشرة القارية ذات كثافة أقل من صخر المعطف المبطن لها، فهي إذن تطفو فوقه، ولابد للجزء الناهض منها أن يخضع للحت فتقل ثخانته ويميل إلى النهوض، وبالمقابل يميل الجزء الحامل لرواسب متزايدة في الثخانة إلى الهبوط، وفق مبدأ توازن الطفو floating balance أو ما يعرف بالتوازنية isostasy، وعلى هذا يعلل هبوط الأحزمة الحركية بازدياد فعل الثقالة، مع ازدياد التراكم الرسوبي، أي إن معدل الهبوط يتناسب مع معدل التراكم، وبناءً على ذلك، فإن جزءاً مقابلاً من صخر المعطف، تحت القشرة الأرضية الهابطة، يجب أن يزاح ويُضغط جانبياً ليسبب نهوض أجزاء مجاورة.
قد يكون هذا النقاش مقبولاً قبل بضعة عقود، إلا أنه غير مقبول في الوقت الحاضر. فالجزء المعطفي المفترض إزاحته بثقل الرواسب أكثر كثافة من الجزء الهابط. ولذلك لا يمكن أن يزاح من صخر المعطف سوى جزء معادل لوزن تلك الحمولة. وعلى هذا، لا يمكن تعليل مقدار الهبوط في الحزام الحركي كلياً بالتحميل الرسوبي، إذ لابد من مشاركة عوامل ميكانيكية أخرى. فالأحزمة الحركية هي الأجزاء من صفائح الغلاف الصخري التي تخضع للهبوط والانغراس في المعطف جراء التصادم بين الصفائح، وعلى ذلك فهي تُشَدُّ وتُسحَبُ إلى الأسفل بعوامل تختلف عن توازن الطفو. فمثلاً، تعد أجزاء القشرة الأرضية الواقعة بين خنادق المحيطات، وأقواس الجزر في شرقي آسيا نموذجاً حالياً للجزء الخارجي للحزام الحركي. ويعلل هبوط هذا الجزء بالآلية التي تسبب هبوط القشرة الأرضية في خنادق المحيطات.إلا أن التوسع في تعميم هذه السببية على الجزء الداخلي يوقع في ورطة. فالرف القاري إلى الشرق من أمريكا الشمالية هو على الأرجح مثال عن الجزء الداخلي للأحزمة الحركية، فهو يتطور، بعيداً عن خنادق المحيطات وأقواس الجزر، بحالة توازن الطفو مع المعطف المبطن له، وهبوطه يجب أن يكون نتاج عمليات أخرى، فالرفوف القارية العريضة المغطاة برواسب ثخينة تتطور في الوقت الحاضر على حواف صفائح قارية متباعدة، ولكي تعلل أسباب هبوطها يجب التمعن في تتابع مفترض من الأحداث الجيولوجية التي تؤدي إلى انفتاح المحيطات.
حين يصعد تيار ساخن من صخر المعطف إلى أسفل قشرة قارية، فإنه يؤدي إلى تقببها وترققها بالتسخين والشد، وينتهي الشد والترقق في الجزء المقبب إلى تصدعه بفوالق عادية وهبوط أجزائه على امتداد هذه الفوالق (الشكل-4: أ وب)، وتتراكم في الأودية الهابطة منها رواسب كثيرة تنتج من حت جبال الكتل الفالقية الواقعة على جانبيها. ومع تتابع هذه الأحداث تتكسر القشرة القارية إلى جزأين متباعدين، بينهما عرف ridge لمحيط جديد، ويأخذ هذا المحيط بالتوسع من الاندفاعات البركانية المولدة لقشرة المحيط التي يسببها الانصهار الجزئي في صخر المعطف الساخن المتحرر من الضغط. وهكذا يتطور الجزء الداخلي من الحزام الحركي بالشد والترقق والهبوط على امتداد فوالق عادية على جانبي الصفيحتين القاريتين المتباعدتين. ومع استمرار توسع صفيحتي المحيط المتولدتين على جانبي العرف وتصادمهما مع الصفيحتين القاريتين المتباعدتين تهبط قشرة المحيط تحتهما وتنغرز في المعطف.
نهوض منظومات الجبال
تتصف هوامش تصادم الغلاف الصخري بأنواع كثيرة من النشاطات، من بينها نوعان لهما أهمية خاصة في نهوض الجبال؛ فالنوع الأول نشاط حراري ينجم من انغراس قشرة المحيطات داخل المعطف وارتفاع حرارتها وحدوث الانصهار الجزئي المولد للمُهل (magma) التي تندفع على السطح بنشاطات بركانية. أما النوع الثاني فهو نشاط ميكانيكي لهبوط قشرة المحيطات، وانغرازها يؤدي إلى تعمق رواسب المقعر الجيولوجي وانضغاطها وتشوهها بالطي والفوالق العكسية والاستحالة، مما يؤدي تدريجياً إلى نهوضها على شكل منظومات جبلية. وفي العودة إلى تطور المحيطات الحالية، فإن المحيط الأطلسي لا يزال في طور التوسع، وبالتالي يزداد عمق دفن الرواسب المتراكمة في مقعراته الجيولوجية على امتداد حدوده القارية. لقد بدأ تطور هذه المقعرات على امتداد الشواطئ الشرقية لأمريكا الشمالية منذ 200 مليون سنة، إلا أن تطورها على امتداد الشواطئ الشرقية لأمريكا الجنوبية كان متأخراً، لأن انفتاح المحيط الأطلسي كان يتقدم تدريجياً من الشمال إلى الجنوب. وبما أن هبوط قشرة المحيطات تحت هذه المقعرات يشد رواسبها نحو الأسفل كما يدفع بها نحو الحافة القارية ويجعلها عرضةً للتشوه، فإن الأجزاء العميقة من هذه الرواسب تخضع تدريجياً للاستحالة، وتعطي أنواعاً من الصخور الشيستية والغنايسية. ومع ازدياد التسخين في الصخور القارية العميقة يحصل فيها انصهار جزئي تتولد منه مُهل (ماغمة) ريوليتية (تشبه في تركيبها الغرانيت) تصعد ببطء نحو الأعلى بسبب لزوجتها العالية، لا تلبث أن تتصلب في الصخور التي تجتاحها على هيئة مدسوسات باثوليت ضخمة (الشكل 5- ح)،
فالتشوهات العظيمة والاستحالة والانصهار والنهوض الأعظمي، هي التي تؤلف لب النظام الجبلي الذي يتطابق مع أعمق أجزاء المقعر الجيولوجي. أما الغطاء الرسوبي فوق الرف القاري فينضغط ويُحشَر بين كتلة القارة وكتلة الصخور العميقة الناهضة فينطوي ويتشوه وينهض أيضاً، ليكـوِّن المجال الهامشي من النظام الجبلي الجديد. وفي كثير من أنحاء العالم توجد أجزاء من صفائح الغلاف الصخري منغرزة تحت صفائح متصادمة معها، كما توجد منظومات جبلية في طور النهوض، منها جبال الأنديز في غربي أمريكا الجنوبية.
فصفيحة المحيط المنغرزة هي صفيحة نازكا Nazca، والصفيحة القارية المتصادمة معها هي أمريكا الجنوبية، وخندق المحيط فوق نطاق الانغراز هو خندق البيرو ـ تشيلي، والمنظومة الجبلية الناهضة هي جبال الأنديز التي تنتشر فيها النشاطات البركانية. ويعتقد أن هذه النشاطات البركانية التي تحدث باستمرار على الجانب القاري من التصادم تقوم بدور رئيس في تطور هذه المنظومة الجبلية. أما جبال الهيمالايا والألب التي تعد من أشهر المنظومات الجبلية في العالم، فتتصف بنهوض شديد وتضاريس حادة وذرى شاهقة وتقع داخل القارات. أما نشأتها فقد بدأت مراحلها منذ 200 مليون سنة، ويعود نهوضها إلى تصادم صفائح قارية، فجبال الهيمالايا نهضت من تصادم صفيحة القارة الهندية مع كتلة التيبت الآسيوية، كما نهضت جبال الألب من صفيحة القارة الإفريقية مع الصفيحة الأوربية، وأدى ذلك إلى انغلاق محيط التيثس القديم.
أما جبال الابالاش التي عاصرت في نهوضها جبالاً تقع حالياً في غربي أوربة، فيعتقد أن تطورها كان في مقعر جيولوجي يتبع محيطاً أطلسياً أقدم من الحالي ببضع مئات من ملايين السنين، حين تحركت صفيحة القارة الأوربية لتتصادم مع أمريكا الشمالية، وأدى هذا التصادم إلى نهوض نظام جبلي في قارة البانجيه Pangaea، ثم انفصلت فيه جبال الابالاش عن جبال غربي أوربة، حين تكسرت هذه القارة القديمة وتباعدت أجزاؤها. ويعتقد أيضاً أن منظومات جبلية قديمة تقع داخل القارة الآسيوية، كجبال الأورال التي تعود تشكيلاتها الرسوبية إلى أزمنة الباليوزوي، قد نهضت من تصادمات قارية، ربما تكون تلك التي جمعت أجزاء قارة (البانجيه).
وتعطي ملاحظات الدروع القارية القديمة دلائل تشير إلى احتوائها على منظومات جبلية غابرة، أقدم بكثير من الباليوزوي، ولهذا يعتقد العلماء أن حركات صفائح الغلاف الصخري كانت تجري منذ أقدم الأزمنة الجيولوجية، مما أدى إلى التحام الكتل القارية وانفصالها مرات متعددة.
المصدر: ويكيبيديا